موعدنا اليوم عزيزي القارئ مع شاعر من شعراء العصر الجاهلي قد تكون لم تسمع عنه من قبل. إنه الشاعر الأسود بن يعفر النهشلي الذي نتحدث عن سيرته الذاتية ومقتطفات من أشعاره.
ومن أهم ميزات شعراء العصر الجاهلي قوة اللغة وجمال الأسلوب، وهي الميزات التي لا تخلو منها قصائدهم. ولا لا يخلو شعر الأسود بن يعفر النهشلي من تلك الصفات.
وسوف نستعرض اليوم بعض من تفاصيل قصة حياة الأسود بن يعفر النهشلي وسيرته الذاتية. كما سنعرض أيضا مجموعة من أجمل ما كتب الشاعر من قصائد وأبيات.
من هو الأسود بن يعفر النهشلي؟
هو الشاعر الأسود بن يعفر النهشلي. اسمه هو الأسود ابن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
وهو شاعر تميمي دارمي، كان يكنى بابنه، فعرف بـ”أبي الجراح” كما كان يلقب باسم “النهشلي” نسبة لقومه. وهو من الشعراء المتقدمين في العصر الجاهلي.
وفي “مختار الصحاح” جاء اسم الأسود بن يعفر الشاعر، أنه إذا قلته بفتح الياء لو تصرفه لأنه مثل يقتل. كما أوضح يونس أنه سمع رؤبة يقول أسود بن يعفر بضم الياء، وبضم الفاء أيضاً. وهذا ينصرف لأنه قد زال عنه شبه الفعل.
كان الشاعر الأسود بن يعفر النهشلي ينادم النعمان بن المنذر. ولما أسن الشاعر فقد بصره، فكان يستعين بمن يوجهه إلى حيث يريد.
شعر الأسود بن يعفر النهشلي
الأسود بن يعفر النهشلي شاعر مقدم فصيح من شعراء العصر الجاهلي، لكنه ليس بمكثر. ويصنف شعر الأسود ضمن أجود الشعر. وتصنف قصيدة “نام الخلي وما أحس رقادي” ضمن مختار أشعار العرب.
صنف “ابن سلام” الأسود ضمن الطبقة الثانية من طبقات الشعراء، مع خداش بن زهير والمخبل السعدي والنمر بن تولب. وكان الأسود بن يعفر النهشلي ممن يهجو قومه. وقد لقب بـ”ذي الآثار”، بسبب ما يخلفه شعره الهجائي من أثر في المهجوين.
قال عنه الآمدي في كتاب “المؤتلف والمختلف” إنه من الذين لقبوا بـ”الأعشى”. وذكر الآمدي: “ومنهم أعشى بن نهشل وهو الأسود بن يعفر بن الأسود بن حارثة بن جندل بن نهشل بن دارم، الشاعر المشهور”.
أجمل أشعار الأسود بن يعفر النهشلي
يصنف الأسود بن يعفر ضمن الشعراء الجيدين في العصر الجاهلي. وسوف نعرض الآن بعض من أجمل أشعار الأسود بن يعفر النهشلي.
نام الخلي وما أحس رقادي
تصنف قصيدة “نام الخلي وما أحس رقادي” ضمن مختار أشعار العرب. وتضم هذه القصيدة شواهد نحوية وردت في كتب الشواهد. ففي هذه القصيدة أبيات شواهد في المغني لابن هشام. وتعد القصيدة من أجمل أشعار الأسود بن يعفر النهشلي.
والقصيدة من مختار أشعار العرب، وحكمها مأثورة، وتقول أبياتها:
نامَ الخليُّ وما أُحسّ رُقادي | والهمُّ مُحتَضرٌ لَدَي وِبادي |
من غير ما سَقمٍ ولكن شفّني | همٌّ أراهُ قد أصابَ فؤادي |
وَمن الحوادث لا أبالك أنني | ضُربت عليَّ الأرضُ بالأسدادِ |
لا أهتدي فيها لِموضع تَلعَةٍ | بينَ العراق وبين أرض مُرادِ |
ولقد علمتُ سِوى الذي نبأتِنى | أنَّ السبيلَ سبيلُ ذي الأعوادِ |
إن المنيّةَ والحتُوفَ كلاهما | يُوفي المخارمَ يرقيان سوادي |
لن يَرضيا مني وفاءَ رَهينةٍ | من دُونِ نَفسي طارفي وتِلادى |
ماذا أُؤملُ بَعدَ آلِ مُحرِّقٍ | تَركوا مَنازِلَهُم وبعدَ أيادِ |
أهل الخَوَرنق والسدير وبَارقٍ | والقصر ذي الشُرُفاتِ من سندادِ |
أرضاً تخيّرها لدار أبيهم | كعبُ بنُ مامَة وابنُ أمِّ دُؤادِ |
جَرت الرياحُ على مكان ديارهم | فكأنما كانوا على ميعادِ |
ولَقد غَنوا فيها بأنعَم عيشةٍ | في ظلِّ مُلكٍ ثابت الأوتادِ |
نَزلوا بأنقرة يسيلُ عليهمُ | ماءُ الفراتِ يجيءُ من أطوادِ |
أين الذَين بنوا فطال بناؤهم | وتَمتّعوا بالأهل والأولادِ |
فإذا النعيمُ وكلُّ ما يُلهى به | يوماً يَصيرُ إِلى بِلى ونفَادِ |
في آل غَرف لو بَغيتَ لي الأسى | لوجدتَ فيهم أسوةَ العُدّادِ |
ما بَعد زَيد في فتاةٍ فُرّقوا | قتلاً ونفياً بعدَ حُسنِ تآدي |
فتخيَّروا الأرض الفضاءَ لِعزّهم | ويَزيدُ رافدُهم على الرُفادِ |
أما تَريني قد بَليتُ وغاضَني | ما نيل من بَصَري ومن أجلادي |
وعَصيتُ أَصحابَ الصَّبابةِ والصّبا | وأطعتُ عاذلتي ولانَ قِيادي |
وَلقد أروُح عَلى التّجار مُرَجِّلاً | مَذِلاً بِمالي لَيِّناً أَجيادي |
ولقد لَهوتُ وللشباب لذاذةٌ | بسُلافَةٍ مُزجَت بماءِ غَوادي |
من خَمر ذي نَطف أغَنَّ مُنطق | وافى بها لدراهِم الأسجادِ |
يَسعى بها ذو تُومتين مُشَمِّرٌ | قنَأَت أناملُهُ منَ الفُرصادِ |
والبيضُ تَمشي كالبدُورِ وكالدُّمى | ونواعمٌ يَمشينَ بِالأَرفادِ |
والبيضُ يَرمينَ القلوبَ كأنَّها | أُدحِيُّ بينَ صَريمةٍ وجَمَادِ |
يَنطقنَ مَعرُوفاً وهُنَّ نَواعِمٌ | بيضُ الوُجوهِ رقيقةُ الأكبادِ |
يَنطقنَ مخفوضَ الحديثِ تَهامُساً | فَبلَغنَ ما حاوَلنَ غَير تَنادي |
ولَقَد غَدوتُ لِعازبٍ مُتَناذِرٍ | أَحوَى المَذانبِ مُؤنَق الرّوادِ |
جادَت سَواريهِ وآزرَ نبتُهُ | نُفأً مِن الصَّفراءِ والزُّبادِ |
بالجو فالأموات حَول مغامرٍ | فبِضارج فقصيمَة الطُّرادِ |
بمُشَمرٍ عِند جَهيز شدُّهُ | قيد الأوابدِ والرهانِ جوادِ |
يشوي لنا الوحَدَ المُدلَّ بحُضرهِ | بشريج بين الشدِّ والإيرادِ |
ولَقد تلوتُ الظاعِنينَ بجسرةٍ | أجد مهاجرةِ السقَاب جَمادِ |
عَيرانةٍ سَدّ الربيعُ خصاصَها | ما يَستبين بها مَقيلُ قُرادِ |
فإذا وذلك لا مهاهَ لذِكرهِ | والدهرُ يُعقبُ صالِحاً بفسادِ |
قد قلتُ لما بَدتِ العقابُ
قد قلتُ لما بَدتِ العقابُ
وضمها والبدنَ الحِقابُ
جِدّي لكلِّ عاملٍ ثوابُ
الرأسُ والأكرعُ والإهابُ
لها وَركا عنزٍ وساقا نعامةٍ
من الأبيات المشهورة للشاعر النهشلي هذه الأبيات:
لها وَركا عنزٍ وساقا نعامةٍ
وأسنانُ خِنزير ومكشرُ أرنبِ
أتاني عن أبي أنَسٍ وَعيدٌ
أتاني عن أبي أنَسٍ وَعيدٌ
ومَعصوبٌ تخبُّ به الركابُ
وعِيدٌ تُخدجُ الآرامُ منهُ
وتكرهُ بَنَّةَ الغنمِ الذئابُ
أبني نُجيح إن أمكم
تعتبر هذه القصيدة واحد من أجمل أشعار الأسود ويقول فيها:
أبني نُجيح إن أمكم | أمة وإن أباكمُ وَقبُ |
أكَلت خبيث الزاد فاتّخمت | عنه وشمَّ خِمارها الكَلبُ |
ورأيتُمُ لمجاشِع نَسباً | وبني أبيه حَامِلٌ زَعبُ |
وقلبتُم ظهرَ المِجَنِّ لنا | إنَّ اللئيمَ العاجزُ الخَبُّ |
يَرعى الجريبَ إِلى لواقِح | فالسُّوبان لا يُثنَى له سَربُ |
حتى إِذا قَمِلت بطونُكم | ورأيتُمُ أبناءَكم شَبُّوا |
أستاهَ أحمرة صَدرن معاً | نَبتَ الثغامُ لهنَّ والعِربُ |
يَملأن جَوف مُتالعٍ ضرطاً | فضّاً يرُدُّ فضيضهُ الهضبُ |
فامضُوا على غُلواء أمرِكمُ | ورِدوا الذنابَة ملؤها عَذبُ |