أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي

3 سبتمبر 2024
أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي

تكلمنا في موضوع سابق عن حياة الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي. واليوم موعدنا مع أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي من أشعار. وتميز شعر أبي القاسم الشابي بقوة الألفاظ والبلاغة والفصاحة.

وقبل أن نستعرض معكم أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي من قصائد وأبيات شعرية، سنذكر بأبي القاسم في نبذة صغيرة. وبعد التذكير بحياته، سنعرج على مسيرته الأدبية.

حياة أبي القاسم الشابي

كانت رحلة حياة أبي القاسم الشابي قصيرة جدا، ولم تدم طويلا. فالشاعر التونسي الراحل المولود في قرية الشابة جنوب تونس، جاء على الدنيا عام 1909 م. وبعد 25 عاما فقط، في عام 1934 م، غادر أبو القاسم الشابي دنيانا.

وقد تلقى الشابي تعليمه على يد والده، القاضي الشرعي الشيخ محمد بن القاسم الشابي. وحرص الوالد على تعليم الابن أصول اللغة العربية والدين الإسلامي. وأنهى أبو القاسم الشابي مرحلة التعليم الابتدائي في مدينة قابس.

حفظ أبو القاسم الشابي القرآن الكريم كاملا وهو ابن 9 سنوات فقط. وعندما بلغ الثانية عشر من عمره، بعث به والده إلى جامع الزيتونة ليكمل تعليمه. وهناك، لم يكتف الشاعر الراحل بما يتلقاه في جامع الزيتونة، وكان دائم التردد على المكتبات مثل الصادقية والخلدونية.

وقد أفاده ذلك في تنمية معارفه، فقرأ الأدب العربي والأوروبي. ولعل ذلك كان له دور في أن يتميز شعره، وأسفر لنا أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي من أشعار.

مسيرة أبي القاسم الشابي الأدبية

كانت اللغة العربية هي اللغة الأم التي تلقى بها أبو القاسم الشابي تعليمه. لكن ذلك لم يمنعه من الاطلاع على الأدب الأوروبي والأمريكي بالاستعانة بالترجمات، وأثمر ذلك عن تمتعنا كقراء بمجموعة قصائد من أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي من أشعار.

واستهل الشاعر أبو القاسم الشابي مسيرته الأدبية من المكتبة الخلدونية التي ألقى بها محاضرته الأولى في فبراير من العام 1929 م. وتحدث أبو القاسم الشابي في المحاضرة عن الخيال الشعري في الأدب العربي.

وأبهر أبو القاسم الحضور عندما تمكن من ذكر كل إنتاج العرب الشعري من البلاد المختلفة. وانطلق بعدها اسم أبو القاسم إلى طريق الشهرة والمعرفة. وعقب تلك المحاضرة، انضم أبو القاسم الشابي إلى مجلس جمعية الشباب المسلمين وأصبح من كتابها.

شعر أبي القاسم الشابي

كان الشاعر أبو القاسم الشابي من دعاة التجديد والتغيير والخروج عن المألوف. وقد عرضه ذلك للعديد من الانتقاد والهجوم. وكثيرا ما طالب أبو القاسم بأن يتحرر الشعر العربي من نمطيته وشكله وطبيعته. وكان الشابي متأثرا في ذلك بتطور الفكر والأدب الأوروبي خاصة في الخيال والفكر.

ووجه أبو القاسم الشابي انتقادا شديدا في أول محاضرة له، لمن وصفهم بأصحاب العقليات الجامدة في السياسة والثقافة. كما انتقد رافضي تطوير الشعر وتحريره، ما أدى إلى ظهور دعوات لمقاطعته. وقد أثرت هذه الدعوات على أبي القاسم بشكل شلبي، ظهر بوضوح في أشعاره، رغم ما حقق من شهر في أوساط الشعراء العرب.

وكان من عوامل شهرة أبي القاسم الشابي في أوساط الشعراء، هو انتمائه إلى مدرسة أبوللو الشعرية في القاهرة. وقد نشرت له مجلة أبوللو الشهيرة مجموعة من القصائد عام 1932 م، ما كان له أكبر الأثر في ذيوع صيته في العالم العربي. ونشرت المجلة مجموعة من أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي من أشعار وقصائد.

أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي

ترك الشاعر أبو القاسم الشابي تراثا رائعا وعظيما رغم حياته القصيرة. ويجب ان نذكر أن من أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي ديوان “أغاني الحياة” بالإضافة إلى كتابه “الخيال الشعري عند العرب”.

وتضم قائمة أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي أشعارا مختلفة في مجالات عدة، منها الوطني والفني والثوري. وكان في شعر أبي القاسم الشابي مسحة حزن كبيرة، سببها رحيل حبيبته وموت والده، إضافة لهمه الأكبر، احتلال وطنه.

وفيما يلي مجموعة من أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي من قصائد:

الغزال الفاتن

بــذر الـــحــب بـذره             في فوادي فأورقا

وبلحــاظ نوافــث                 فجــنى حــظي الـــشـــقا

وســعى فــي مــهره             عادـا ثـم اعـنقـا

رب ظـبي علـقـته                بالـبهــا قــد تــقــرطــقــا

ثم من وصله الجميل            غداالقلب مملقا

سـحــر اللــب طرفه             مادها الريق لورقـى

أوصــب الصــب صده                   والشفا لوترفقا

صــار مــلقــى بــحــبه                   مـوثقا ليس مطلقـا

صــار ذا جــنه بـــه             ذاعـــذاب مـورقـا

يــرقــب الــبــدر جــفــنــه               ليناجيه مالقــى

هام في العين غربه              وهمى ثم اغدقا

وهمى صوب همه               فاستقى منه مااستقـى

كــم قــلـوب تفطرت             ودم صار مهرقا

ودمــوع تسـلسلــت              مــثــل غــيــم تــدفقـا

دون ان تبلغ النـفـوس           رضابا مروقا

وشــقــيــق بــخــده               مــهــج الخلق شـققـا

ثغره من عقوده                   ودمــوعــي تــنـسقا

خـصـره من نحافتي             ونــحــولــي تـمنطقـا

مـر شــفــاه بــخــده              ودمــائــي تخلقا

مــن لــظــى جــمــرخــده                كـبدي قدتحـرقـا

قـده فوق ردفه          غصن بان على نقا

جـيــده تــحــت فـرعــه                   بــرق غـيم تألقـــا

هـمــت وجـداً بحبه              قدرنا لي فأحرقـا

نــســبــي فــي غرامه         نسبا صار معرقـــا

أيهاَ الحُبُّ

كتب أبو القاسم الشابي القصيدة في 30 ذي الحجة لعام 1342 للهِجْرة الموافق أول أغسطس لعام 1924 م.

أيها الحبُّ ! أنتَ سر بلائي              وهُموميَ، وروعتي، وعنائي

ونحوليَ، وأدمعي، وَعذابي              وسقاميَ، و لوعتي، وشقائي

أيها الحبُّ! أنتَ سرُّ وجودي            وحياتيَ، وعزّتيَ، وإِبائِي

وشعاعيَ ما بينَ ديجورِ دهري                   وأليفي، وقُرتيِ، ورجائي

يا سلافَ الفؤادِ! يا سُمّ نفسي           في حياتي! يا شدّتي! يا رخائي!

أيها الحبُ قد جرعتُ بكَ الحزنَ                 كؤوساً، وما اقتنصتُ ابتعائي

فبحقّ الجمالِ، يا ايُها الحبّ             حنانيك بيّ! وهوِّن بلائي

ليتَ شعري! يا أيهاَ الحبُّ، قل لي:           مِنْ ظلامٍ خُلِقتَ، أم من ضياءِ

الظلام

رفرفت في دجية الليل الحزين                   زمره الأحلام

فوق سرب من غمامات الشجون                ملؤها الآلام

شخصت لما رأت عين النجوم                   بعثة العشاق

ورمتها من سماها برجوم                تسكب الأحراق

كنت إذ ذاك على ثوب السكون                  أنثر الأحزان

والهوى يسكب أصداء المنون           في فؤاد فان

ساكتا مثل جميع الكائنات                راكد الألحان

هائم قلبي بأعماق الحياة                  تائه حيران

إن للحب على الناس يدا                  تقصف الأعمار

وله فجر على طول المدى               ساطع الأنوار

ثورةالشر وأحلام السلام                 وجمال النور

وابتسام الفجر في حزن الظلام                في العيون الحور

تونس الجميلة

لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ            أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ

إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ                  قد عَرانا، ولَمْ نَجِدْ مَنْ أزاحهُ

كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ                مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ

ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ          فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ

وتوخَّوْا طرائقَ العَسف الإِرْ             هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ

هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ                  رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ

غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا                   واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ

أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَةَ فِي لُجِّ               الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ

شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي               قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ

لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو متُّ           وقامتْ على شبابي المناحَةْ

لا أبالي..، وإنْ أُريقتْ دِمائي           فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ

وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي              صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ

إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَةٍ غَيْرَ أنِّي             مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ

ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ         سَتَرُدُّ الحَيَاةُ يَوماً وِشَاحَهْ

نظرة في الحياة

إن الحياة صراع                 فيها الضعيف يداس

ما فاز في ماضغينها            إلا شديد المراس

للخب فيها شجون                فكن فتى الإحتراس

الكون كون شقاء                 الكون كون التباس

الكون كون اختلاق              و ضجة و اختلاس

سيان عندي فيه السرور                 و الإبتئاس

بين النوائب بون                  للناس فيه مزايا

البعض لم يدر إلا                البلى ينادي البلايا

و البعض ما ذاق منها           سوى حقير الرزايا

إن الحياة سبات                   سينقضي بالمنايا

و ما الرؤى فيه إلا              امالنا و الخطايا

فإن تيقظ كانت        بين الجفون بقايا

النبي المجهول

من أجمل ما كتب أبو القاسم الشابي قصيدة النبي المجهول، التي يقول فيها:

أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً

فأهوي على الجذوعِ بفأسي!

ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ

تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!

ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي

ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس

ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي

كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!

ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي

فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!

ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إن ضجَّتْ

فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!

ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْ

أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!

أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور،

وتقضي الدهور في ليل مَلْس…

أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ

حواليكَ دون مسّ وجسِ…

في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي

وأترعتُها بخمرة ِ نفسي…

ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ

رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي!

فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي،

وكفكفتُ من شعوري وحسّي

ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي

باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي…

ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ

ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ

ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً

وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي

إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي

لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي

إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي

في صميم الغابات أدفنُ بؤسي

إرادة الحياة

أخيرا، مع أشهر وأجمل ما كتب أبو القاسم الشابي وأكثر قصائده انتشارا في العالم العربي. إنها قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة:

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ              فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر

وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي                  وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ              تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر

فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ                مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر

كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ                 وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر

وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ              وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر

إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ                رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر

وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ              وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر

وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ            يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر

فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ               وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر

وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ              وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر

وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ – لَمَّا سَأَلْتُ :                 “أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟”

“أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ                   وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر

وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ             وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر

هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ           وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر

فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ                   وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر

وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم                لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر

فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ                مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!”

وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ              مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر

سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ            وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر

سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ           لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟

فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ           وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر

وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ                 مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر

يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ           شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر

فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ               وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر

وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ            وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر

وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا              وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر

وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ             وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر

وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ                 تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر

وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ               ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر

وَذِكْرَى فُصُول، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ            وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر

مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ            وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر

لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ              وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر

وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ                وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر

وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ               حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر

فصدّعت الأرض من فوقـها            وأبصرت الكون عذب الصور

وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه           وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر

وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه                   تعيد الشباب الذي قد غبـر

وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ             وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر

وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي                شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر

ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ                يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر

إليك الفضاء ، إليك الضيـاء            إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر

إليك الجمال الذي لا يبيـد                إليك الوجود الرحيب النضر

فميدي كما شئتِ فوق الحقول           بِحلو الثمار وغـض الزهـر

وناجي النسيم وناجي الغيـوم            وناجي النجوم وناجي القمـر

وناجـي الحيـاة وأشواقـها                 وفتنـة هذا الوجـود الأغـر

وشف الدجى عن جمال عميقٍ                   يشب الخيـال ويذكي الفكر

ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ           يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر

وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء                 وَضَاعَ البَخُورُ ، بَخُورُ الزَّهَر

وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ           بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر

وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ                في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر

وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ            لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر

إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ              فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ