احترام الكبير يعد من القيم الهامة التي تحفظ حياة المجتمعات وتجعلها أكثر قوة ونظامًا، لذلك حث الإسلام في تربية الصغار بأن يحترموا الكبار ويقدروهمن والتوثير في الإسلام يعرف بأنه الإجلال والاحترام لمن هم أكبر سنًا، واحترام الكبير لا يقتصر فقط على كبار السن، بل يشمل كبير السن ذي المنزلة الأدنى وكبير المنزلة والمكانة مهما كان صغيرًا في السن، سواء كانت تلك المنزلة علمية أو دينية أو منزلة عشائرية استحقها بفطنته وحكمته.
مفهوم الأخلاق
الأخلاق في اللغة
جمع خلق أي السجية والطبع، وهي كذلك: حال النفس التي تصدر عنها أفعال الشر أو الخير دون الحاجة إلى التفكير أو التمهل، حي يكن التصرف بها ناتجصا عن العادة والطبيعة التي نشأ عليها الإنسان، وهي كذلك مجموعة من السلوكيات والصفات والمزايا البشرية التي تتصف بانها حسة أو قبيحة، كما أن الأخلاق هي مجموعة القواعد والمبادئ التي تنظم السلوك البشري، والأخلاق هي جزء من منظومة الأعمال الخيرة المؤطرة للتعامل الاجتماعي، والإسلام جاء وهويدعو ويحث للتحلى بالأخلاق الحميدة، كما حث ودعا لحفظها والاهتمام بها، وشدد على أهمية انتشارها في المجتمعات المسلمة، كما ذكر أنمنلم يتحل بها يكون قد أساء فهم الإسلام والتدين على الحقيقة التي جاء بها.
الأخلاق في الاصطلاح
هي مجموعة من المبادئ والقواعد التي نظمها الإسلام وحددها منخلال الوحي الإلهي وذلك لتنظيم حياة المسلمين خاصة وحياة الناس في العموم، وحفظ سلوكياتهم من الانحراف نحو السيء من الفعل أو القول، وذلك بطريقة تحقق الاية التي لأجلها أوجد الله البشرية، ولتمييز المسلمين عن غيرهم من البشر وجعل حياتهم تتجه نحو ما جاء به الله بطريق الوحي.
ويعرف الجرجاني الأخلاق على أنها مجموعة سلوكيات وطباع تصدر بعفوية من الإنسان دون أن يتدبر أو يتأمل في التصرف الصادر منه، وتعتمد الأخلاق في ذلك تحديدًا على ما يرسخ لدى النفس البشرية من الصفات سواء القبيح منها أو الحسن.
أما أفلاطون وأرسطو فيعرفان الأخلاق على أنها: قدرة الفرد الناشئة التي تجعله يستطيع التمييز بين كل ما هو خير عما هو شر، وتعرف كذلك عندهما بأنها مجموعة من الفضائل التي يطغي عليها الجانب الديني على جانب الرغبات والشهوات، أو هي القدرة على ضبط الشهوات من خلال ممارسة الفضائل والمكارم من الصفات، ومن خلال العقل أيضًا.
احترام الكبير خلق إسلامي
الإسلام حث على حسن معاملة الكبير ولاهتمام به من خلال توقيره واحترامه في الكثير من الأمور والأعمال، وقد روى الترمذي قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “ليس منا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرنا ويوَقِّرْ كبيرنا ويأمُرْ بالمعروفِ وينْهَ عنِ المنكَرِ”، وذلك يظهر في الاحترام والتوقير في العديد من الجوانب العملية والممارسات الحقيقية في حياة الفرد المسلم، والإسلام دعا من خلال النصوص الصحيحة في الحديث النبوي بالحث العملي على احترام الكبير وتوقيره وطبق ذلك في مجالات عديدة من أمور الحياة، وأبرزها ما يلي..
الابتداء بالكبير وتقديمه بالأمور كلها
الإسلام حرص على تقديم الكبير في الأمور كلها، كالتحدث في المجالس، كالطلب، والأمر، والجلوس، والبدء بالطعامن وغيرها من الأعمال، وذلك الخلق يظهر في الإسلام من خلال حث المسلمين على تقديم الكبير على الصغير في صلاة الجماعة، وهو الشيء الذي لا ينبغي على أحد تقديم أحد لما فيها من الأجر والثواب، ومع ذلك فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقديم الكبير في الصف، ودعا أن يليه مباشرة كبار المنزلة والكبار في العقول وأهل الحكمة من الناس الذين هم في العادة كبار القوم وسادته من حيث المنزلة العمرية والعلمية والمكانة.
وروى مسلم عن أبي مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: “كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يمسح مَنا كِبَنا في الصلاةِ ويقولُ: استووا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، ليلني منكم أولو الأحلامِ والنهى، ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونَهم. قال أبو مسعودٍ: فأنتم اليوم أشدَّ اختلافاً”.
التحذير من استخفاف الصغير بالكبير
والاستخفاف بالكبير يكن من خلال القيام بامور عديدة يكون فيها تقليل من شأنه ولو حتى بالنظر، أو أن يهزأ به ويسخر منه الصغير، أو ألا يعطيه قدره إذا حضر في المجلس ولا يقف له، أو أن يوجه له كلامًا سيئًا يسيء لقدره وعمره، أو أن يسيء الادب في حضرته بالفعل أو القول، أو أن يرفع صوته في حضرته أو في وجهه.
وروى المنذري وغيره عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “ثلاثٌ لا يستخفُّ بِهِم إلَّا مُنافقٌ: ذو الشَّيبةِ في الإسلامِ وذو العلمِ وإمامٌ مُقسطٌ”
الحياء من الكبير والتخلُّق بالحياء بحضرته ووجوده
الحياء من الأخلاق التي تدعو لترك كل ما هو قبيح وسيء، ويجب على المسلم أن يتحلى بالحياء في جميع الأوقات خاصة عند حضور الكبار في العمر، فذلك يمنع الصغير من التقصير في حقوق الكبار ويدفعه لاحترامهم، وقال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: “الإيمانُ بِضعٌ وستونَ شُعبةً، والحَياءُ شُعبةٌ منَ الإيمانِ”، فالحياء لا يمكن أن يأتي غلا بخير سواء كان ذلك بوجود أو غياب الكبار، لكه في وجوده أبلغ وأظهر، وقد روى أبو سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: “كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشدَّ حَياءً منَ العَذراءِ في خِدرِها، فإذا رأى شيئًا يَكرَهُه عرَفناه في وجهِه”، وروى الشيخان البخاري ومسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنّه قال: “لقد كنتُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غلامًا، فكنتُ أحفظُ عنه، فما يمنعني من القولِ إلا أنَّ ههنا رجالًا هم أَسَنُّ مِنِّي”.
القيام للكبير إذا دخل المجلس
من صور احترام الكبير في الاسلام، القيام للكبير وإقعاده إن لم يكن له موضع يجلس فيه، وروى البخاري والترمذي وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: “ما رأيتُ أحدًا أَشْبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت وكانت إذا دَخَلَتْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقَبَّلَها وأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل عليها قامت من مَجْلِسِها فقَبَّلَتْهُ وأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِها”.
تقبيل يد الكبير
تقبيل اليد احترام الكبير وقيمته عند قومه، وأنه ينزل منزلته الصحيحة عندهم، ويشترط أمران عند تقبيل يد الكبير هما: ألا يكون هناك مغالاة في ذلك لما للمغالاة من التغاضي عن الأخطاء والبعد عن الحق، وقلب الاحترام إلى غير حقيقته التي جاء لأجلها.
وألا يزداد عن الحد المسموح به شرعًا، فيصل لدرجة التقديس أو الركوع، والانحناء له أثناء القيام، والركوع له أثناء التقبيل، أو فعل ما نهي عنه من الأعمال بحجة الاحترام والتوقير.
إنزال الكبير منزلته التي تليق به
روى شهاب بن عباد أنّه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: “قَدِمْنا على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاشتَدَّ فَرَحُهم بنا، فلما انتهَينا إلى القومِ أوسعوا لنا فقَعَدْنا فرَحَّبَ بنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودعا لنا، ثم نظر إلينا فقال: من سَيِّدُكم وزعيمُكم؟ فأشرنا جميعًا إلى المنذر بن عائذ، فقال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أهذا الأشَجُّ؟ فكان أوَّلَ يومٍ وُضِعَ عليه هذا الاسمُ، يضرِبُه بحافرِ حِمارٍ، قلنا: نعم يا رسولَ اللهِ، فتخلف بعد القَومِ، فعقل رواحِلَهم وضَمَّ متاعَهم، ثم أخرج عيبَتَه فألقى عنه ثيابَ السَّفَر ولَبِسَ مِن صالحِ ثيابِه، ثمَّ أقبَلَ إلى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد بسَطَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رِجْلَه واتَّكأَ، فلما دنا منه الأشَجُّ أوسع القومُ له وقالوا: هاهنا يا أشَجُّ، فقال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- واستوى قاعدًا وقبض رِجْلَه-: هاهنا يا أشَجُّ، فقعد عن يمينِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَحَّبَ به وألطَفَه”.