تناولنا في المقال شرح قصيدة المساء ، والتي تعد واحدة من أبرز وأشهر القصائد الشعرية التي تركها الشاعر اللبناني الكبير خليل مطران، والذي كان واحد من أهم وأبرز شعراء العصر الحديث في العشر العربي، والذي ترك خلفه ميراث شعري وأدبي قيم يُعد من أهم المراجع لكافة شعراء العرب إلى وقتنا هذا، وخلال سطور هذا المقال سوف نكمل شرح قصيدة المساء كاملة.
شرح قصيدة المساء
ترك الشاعر اللبناني خليل مطران خلفه ميراث شعري وأدبي عريق تضمن العديد من المؤلفات والقصائد الشعرية المبدعة، وقد كان لأسلوب خليل مطران طابع خاص، حيث اتسم شعره بالصدق الوجداني والوقع الموسيقي الجذاب لكلماته الشعرية. وكانت قصيدة المساء واحدة من أبرز وأشهر القصائد الشعرية التي نظمها الشاعر اللبناني مطران خليل مطران، وسوف نتعرف فيما يلي على شرح قصيدة المساء.
وكانت قصيدة المساء واحدة من أبرز وأشهر القصائد الشعرية التي نظمها الشاعر اللبناني مطران خليل مطران، والتي يقول في مطلعها:
داءٌ ألَمَّ فَخِلتُ فيهِ شفَائِي منْ صبوَتِي فتَضاعفَتْ بُرَحائِي
يا للضَّعيفَينِ اسْتبَدَّا بي ومَا في الظُّلمِ مِثلُ تَحكُّمِ الضُّعفاءِ
قَلبٌ أَذَابَتْه الصَّبابَةُ والجَوَى وغِلالَةٌ رثَّتْ منِ الأَدوَاءِ
والرُّوحُ بينهُمَا نسِيمُ تنَهُّدٍ في حالَيَ التَّصويبِ والصُّعداءِ
والعَقلُ كالمِصبَاحِ يغشَى نُورَهُ كدرِي ويُضعِفهُ نضوبُ دمَائِي
هذَا الَّذي أَبقَيتِهِ يا مُنيَتِي منْ أَضلُعِي وحَشاشتِي وذكَائِي
عُمرَينِ فيكِ أَضَعتُ لَو أَنْصَفتنِي لمْ يَجدرَا بِتَأسُّفي وبُكائِي
عُمرَ الفَتَى الفَانِي وعُمرَ مُخلَّدٍ ببيانِهِ لَولاكِ في الأَحيَاءِ
فغَدوتَ لَم أَنعَمْ كذِي جَهلٍ وَلم أغنَمْ كذِي عَقلٍ ضمَانَ بقاءِ
يتحدث الشاعر في تلك الأبيات البليغة من مطلع قصيدته الشهيرة المساء عن المرض الجسدي الذي ألم به وأهلكه كثيرًا، حيث كان هناك اعتقاد لدى الشاعر بأن الألم والوجع الجسدي – المقصود به المرض الذي ألم بالشاعر – سوف يساعد الشاعر اللبناني خليل مطران ويعينه على التغلب على وجع القلب والروح الذي تسببت فيه آلام الحب والعشق، حيث كان الشاعر يعاني كثيرًا من قصة حب عنيفة آنذاك، وهو ما صوره وجسده الشاعر خلال أبيات هذا المطلع من القصيدة.
ويشير كذلك الشاعر إلى أن اعتقاده بأن ألمه الجسدي يساعده عن نسيان المحبوبة وما خلفته من ألم في روحه وقلبه كان اعتقاد خاطئ تمامًا، فلقد اجتمع الوجع الجسدي والوجع الروحي على الشاعر وانهكها تمامًا حتى كادا يقضيان عليه، فلم تعد لديه القدرة على مقاومة أيًا منهما بأي شكل من الأشكال. ويأكد الشاعر كذلك خلال الأبيات على أنه المحبوبة كانت سببًا مباشرا فيما أصابه من مرض شديد طال كل عضو من أعضاء جسده دون أن يترك أي شيء سليم، فقد أضاع في حبها شبابه وكذلك ازدهاره الشعري والأدبي.
يقول الشاعر اللبناني في صدر قصيدة المساء:
يا كَوكبًا مَن يَهتدِي بضيائِهِ يهدِيهِ طالِعُ ضلَّةٍ وريَاءِ
يا مورِدًا يسقِي الورُودَ سرابُهُ ظمَأً إلى أَن يهلِكُوا بظمَاءِ
يا زهرَةً تحيِي رواعِيَ حُسنهَا وتُمِيتُ ناشِقَهَا بلاَ إِرعَاءِ
هذا عتَابُكِ غَيرَ أنِّيَ مُخطِيءٌ أَيُرامُ سَعدٌ في هوَى حَسنَاءِ
حاشَاكِ بَل كتِبَ الشَّقاءُ عَلى الورَى والحُبُّ لَم يَبرحْ أَحبَّ شَقاءِ
نِعمَ الضَّلالةُ حَيثُ تُؤنِسُ مُقلتِي أَنوارُ تِلك الطَّلعَةِ الزَّهرَاءِ
نِعمَ الشفاءُ إِذا روِيتُ بِرشفَةٍ مكذُوبَةٍ مِن وَهمِ ذاكَ الماء
نِعمَ الحيَاةُ إذا قضَيتُ بِنَشقةٍ مِن طيبِ تلكَ الرَّوضَةِ الغنَّاءِ
إنِّي أَقَمتُ على التَّعلَّة بالمنَى في غُربةٍ قالوا تكُونُ دوَائِي
إِن يشْفِ هذَا الجِسمَ طيبُ هَوائِهَا أيُلطف النِّيرَانَ طيبُ هَواءِ
أو يُمسِكِ الحَوبَاءَ حُسنُ مُقَامهَا هَل مسكَةٌ في البُعدِ للحَوبَاءِ
أشرنا في السطور السابقة إلى أن الشاعر اللبناني خليل مطران في مطلع قصيدته الشهيرة المساء، قد تحدث عن المرض الذي أنهك جسده وكان يعتقد أنه يساعده على نسيان المحبوبة التي اعتبرها سببًا في المرض الذي ألم بجميع أعضاء جسده.
وفي هذا الجزء من قصيدة المساء يتابع خليل مطران تجسيد الألم والأسى الذي يعيش فيه منذ أن تركته المحبوبة ولم يعج يستطيع أن ينعم بقربها منه، حيث يواصل الشاعر خلال هذه الأبيات معاتبة المحبوبة بشكل مُحزن يثير الشفقة على حاله، فيصفها بالزهرة التي تقضي على كل من يقترب منها يشم رحيقها.
ويؤكد كذلك الشاعر على أنه متيقن من أن التعب والشقاء في الدنيا قد كُتب على الناس أجمع وليس هو وحده، ويتسائل كذلك إن انتقاله إلى مدينة الإسكندرية لكي يتمتع بجوها المنعش الذي يساعده على الشفاء، هل يمكنه كذلك أن يشفي جراح القلب والروح بسبب فراق المحبوبة؟! وتتتابع أبيات قصيدة المساء، ويقول خليل مطران في الجزء الأخير من القصيدة:
عبَثٌ طَوافِي فِي البِلاَدِ وعِلَّةٌ في علَّةٍ مَنفايَ لاِستشفَاءِ
متَفَرِّدٌ بِصبَابَتِي مُتفَرِّد بِكَآبتِي مُتفرِّدٌ بَعنَائِي
شاكٍ إِلى البَحرِ اضطَرابَ خَواطِرِي فَيجِيبُنِي بِرِياحِهِ الهَوجَاءِ
ثاوٍ عَلى صَخرٍ أَصمَّ وَلَيتَ لِي قَلبًا كَهذِي الصَّخرَةِ الصَّمَّاءِ
يَنتَابُها مَوجٌ كَمَوجِ مَكارِهِي ويَفُتُّهَا كالسُّقمِ فِي أَعضَائِي
وَالبَحرُ خفَّاقُ الجوَانِبِ ضائِقٌ كَمَدًا كصدْرِي ساعَةَ الإِمسَاءِ
تَغشَى البَريَّةَ كُدرَةٌ وكأَنَّهَا صَعِدتْ إِلى عَينيَّ مِن أَحشَائي
وَالأُفقُ مُعتَكِرٌ قرِيحٌ جَفنُهُ يُغضِي عَلى الغَمرَاتِ والأَقْذَاءِ
يا لَلغُرُوبِ ومَا بِه مِن عِبرَةٍ للِمستَهَامِ وَعِبْرةٍ للرَّائي
أَولَيْسَ نَزعًا للنَّهَارِ وصَرعَةً للشَّمْسِ بَينَ مآتِمِ الأَضْوَاءِ
أَولَيْسَ طَمسًا لِليقِينِ ومَبعَثًا للشَّكِّ بينَ غلائِلِ الظَّلمَاءِ
أولَيْسَ مَحوًا للوُجُودِ إلى مدىً وإبَادَةً لمعَالِمِ الأشيَاءِ
حتَّى يكُونَ النُّور تجْدِيدًا لهَا ويَكونَ شِبهَ البَعثِ عَودُ ذُكاءِ
ولَقَدْ ذكَرتُكِ والنَّهَارُ موَدِّعٌ والقَلْبُ بَينَ مَهابَةٍ ورَجاءِ
وخَواطِرِي تَبدُو تُجاهَ نوَاظِرِي كَلمَى كَدامِيَةِ السَّحابِ إزائِي
والدَّمعُ مِن جَفنِي يسِيلُ مُشَعشَعًا بِسنَى الشُّعاعِ الغَارِبِ المتَرَائِي
والشَّمْسُ في شفَقٍ يسِيلُ نُضارُهُ فَوقَ العقِيقِ على ذُرىً سَودَاءِ
مرَّتْ خِلاَل غَمَامتَيْنِ تَحَدُّرًا وَتَقطَّرَت كالدَّمعَةِ الحَمرَاءِ
فكَأَنَّ آخرَ دَمعةٍ لِلكوْنِ قدْ مزِجَتْ بآخرِ أَدمعِي لرِثَائِي
وكأَنَّنِي آنَستُ يَومِيَ زَائِلًا فَرأَيتُ في المِرآةِ كَيفَ مَسائي
أراد الشاعر اللبناني خليل مطران أن يؤكد على حقيقة واحدة بمثابة اليقين بالنسبة له، وهي أن ترحاله وانتقاله بين البلاد والدول بغرض إيجاد دواء شافي لمرضه لم يأتي بفائدة وذلك لأنه بذلك يزداد بعدًا عن المحبوبة وتشوق إليها، وهو ما يزيد من ألمه ووجعه.