ما هو طعام أهل الجنة ؟ وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين الذين طاعوه وابتعدوا عن المعاصي بأن يدخلهم الجنة في الآخرة حيث نعيمها الذي لا يمل، وذلك جزاءًا وإكرامًا على ما صبروا وثبتوا في حياتهم الدنيا أمام هوى النفس والشهوات، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”، وقدد ذكر الله الجنة ووصفها في القرآن الكريم والسنة النبوية لكي يرغب المسلمين ويشجعهم عليها، وحتى يستقيموا على طريق الله تعالى وهم راغبين في الحصول على هذا الفضل العظيم، ومما جاء في وصف الجنة بآيات الله في كتابه الكريم: “فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً*فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ*فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ*وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ*وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ*وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ”، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الجنة ودول المؤمنين إليها، حيث قال: “في الجنة ثمانيةُ أبْوابٍ، فيها بابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يدخلُهُ إلّا الصَّائِمُونَ”، وقال أيضاً: (مَن أنفَق زوجينِ في سبيلِ اللهِ دُعي مِن أبوابِ الجنَّةِ، وللجنَّةِ أبوابٌ فمَن كان مِن أهلِ الصَّلاةِ دُعي مِن أبوابِ الصَّلاةِ ومَن كان مِن أهلِ الصَّدقةِ دُعي مِن أبوابِ الصَّدقةِ، ومَن كان مِن أهلِ الجهادِ دُعي مِن أبوابِ الجهادِ، ومَن كان مِن أهلِ الصِّيامِ دُعي مِن بابِ الرَّيَّانِ، فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ اللهِ ما على أحدٍ مِن ضرورةٍ مِن أيِّها دُعي فهل يُدعى أحدٌ منها كلِّها يا رسولَ اللهِ؟ قال: نَعم، وأرجو أنْ تكونَ منهم”.
ولقد تزينت الجنة وتجهزت لاستقبال أهل المؤمنين، وجعل الله تعالى بناءها من الذهب والفضة، فكانت لبنة من فضة تليها لبنة من ذهب، والملاط بينهما المسك، ولا يشعر الناظر إليها بالملل من شدة جمالها، وأما حصباؤها فالياقوت وترابها الزعفران، وبنيت الغرف في الجنة، بحيث يرى ظاهرها من باطنها والعكس، وفي الخيمة من حبة واحدة من لؤلؤ مجوفة، طولها 60 ميلاً، وكل ذلك من أجل زيادة متعة المؤمن، كما لا يمرض كل من يدخلها ولا يهرم ولا يحزن، بل يزداد نعومة وجمالاً مع مرور الوقت، ولا تبلى ثيابه، ولا يهرم جسده، ولا يصيبه أي مكروه عطاءًا وجزاءًا من عند الله.
طعام أهل الجنة
رغم أن الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأن من طعام الجنة اللحوم والثمار وهما الصنفان الذي يأكلهما الإنسان في الحياة الدنيا، لكن ما ذكر عنهما في الجنة لا يشبه ما يراه المسلم في حياته إلا اسمًا فقط، فلحوم الجنة ليست كلحوم الدنيا، وثمار الجنة ليست كثمار الدنيا، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ”، وجعل الله -تعالى- الفاكهة في الجنّة أنواعاً كثيرةً جداً، لا تُعدّ ولا تُحصى، وجعل لكلّ صنفٍ منها نوعين، حيث قال الله تعالى: “فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ”، فكلّ صنفٍ وإن تشابه مع سواه في الاسم أو الهيئة إلّا أنّه متخصّص بمذاقٍ فريدٍ، وطعمٍ يميّزه عن مثيله، وقد يكون تفسير الزوجين بأنّ لكلّ صنفٍ من الفاكهة طريقتين في تناوله، فيُؤكل مرّةً رُطباً كالعنب، ومرّةً يابساً كالزبيب.
ووصف الله سبحانه وتعالى أهل الجنة بأنّهم مشغولون في تناول الأطعمة والثمار، حيث قال: (إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ*هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ*لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ)، والأصل في الحصول على الاطعمة في الجنّة المتعة واليُسر، وليس كحال الدنيا، ففي الجنّة تدنو الثمرة من صاحبها إذا اشتهاها؛ حتى يقطفها، قال الله تعالى: (وَجَنَى الجَنَّتَيْنِ دَانٍ)، وقال البراء بن عازب -رضي الله عنه- في تفسير الآية: (أي قريبة؛ يتناولها أحدهم وهو نائم على سريره)، ووصف الله -تعالى- قُرب الثمار من المؤمنين في آيةٍ أخرى بقوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا)، وفي تفسير تذليلاً قال مجاهد رحمه الله: “إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلّت له حتى ينالها، وإن اضطجع تدلّت له حتى ينالها”
وفي الجنّة الهناء والرضا بالثمار والطعام دائمٌ، لا يخشى الإنسان قلّته، ولا انقطاعه، فهو نعيمٌ خالدٌ مقيمٌ، قال الله تعالى: (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)، وفي ذلك طمأنةٌ للإنسان ألّا نهايةً لهذا النعيم الجزيل، وفي وصف آخر لهذا الفضل قال الله سبحانه: ( يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ)، أي آمنين من نقصانها وقلّتها، وآمنين من ضررها وسوء عاقبتها، وكذلك آمنين من أيّ علّةٍ في أجسامهم قد تحبسهم عنها، فالإنسان في الجنّة دائم الصحة، بعيدٌ عن المرض والفقر، وسوى ذلك من المكروهات، وحتى يتمّم الله -تعالى- لعباده لذّة تناول الطعام صرف عنهم التبوّل والتغوّط، وجُعل تصريف طعامهم بالجشاء والرشح، إذ يرشح ما يزيد عن حاجتهم على جلودهم مسكاً، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الرَّجُلَ من أَهلِ الجنَّةِ ليُعطى قوَّةَ مئةِ رجلٍ في الأَكلِ والشُّربِ والجماعِ والشَّهوَةِ، فقالَ رجُلٌ مِنَ اليَهودِ: إنَّ الَّذي يأكُلُ ويشرَبُ تَكونُ منهُ الحاجَةُ، فقالَ: يَفيضُ من جلدِه عرقٌ فإذا بطنُه قد ضَمُرَ).
الخلود في الجنة
من كمال النعم التي وعد الله بها عباده المؤمنين بأنه جعل مكوثهم في الجنة خالدًا أبديًا ويتقلب في نعيمها ولا يمون أو يحرم بعد عطاء، ولكي تكتمل البهجة عند المؤمنين المنعّمين يُؤتى يوم القيامة بكبشٍ أملحٍ، بعد دخول أهل الجنّة إلى الجنّة، ودخول أهل النّار إلى النار، فيُنادى فيهم فيعرّف لهم الكبش أنّه الموت مجسّداً، ثمّ يُذبح بين الجنة والنار، فيزداد أهل الجنّة فرحاً على فرحهم، ويزداد أهل النّار حسرةً وشؤماً فوق شؤمهم.