تحدثنا في مقال سابق عن الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، واحد من أئمة الشعر العربي في العصر الحديث. وتطرقنا خلال المقال إلى حياة الشاعر ونشأته والظروف الاجتماعية والسياسية التي لعبت دور فعال في التأثير على حياة الشاعر العربي اللبناني إيليا أبو ماضي، فقد ذكرنا أن حياة الشاعر لم تكن تعرف الاستقرار حيث قادته الظروف إلى التنقل بين عدد من الدول العربية آنذاك على رأسها مصر، والتي كانت وجهة كل الشعراء والأدباء اللبنانيين الذين هربوا من بطش الأتراك في ذلك الوقت. وخلال هذا التقرير سوف نستعرض مختارات من شعر إيليا أبو ماضي ، الذي ترك بصمة كبيرة في النفوس أثرى بها تراث الأدب والشعر العربي على مر العصور وليس العصر الحديث فقط:
الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي
كانت حياة الشاعر اللبناني إيليا أبي ماضي حياة صعبة تتسم بالفقر المطقع، حيث اتسمت السنوات التي قضاها الشاعر في لبنان قبل الرحيل إلى القاهرة بالفقر والحاجة، وهو الأمر الذي دفع إيليا أبي ماضي إلى ترك الدراسة الإبتدائية في لبنان والهجرة إلى مصر في ذلك الوقت من أجل العمل في تجارة التبغ، ليكون هذا العمل هو مصدر دخل الشاعر اللبناني الشهير. وكانت مصر في ذلك الوقت تعد واحدة من أوائل الدول التي تعتبر مقصد الكثير من الكُتاب والأدباء والشعراء والمفكرين اللبنايين الذين أرادوا الفرار من قمع الأتراك آنذاك.
وكان لانتقال الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي إلى مصر دور كبير في حياته الأدبية والشعرية، حيث التقى فيها بالأديب الكبير أمين تقي الدين الذي لعب دور فعال في ظهور موهبة إيليا إلى النور، حيث كان من أوائل من تبنوا الشاعر وساهموا في نشر أعماله في مجلة الزهور وقتها.
مختارات من شعر إيليا أبو ماضي
قصيدة فلسفة الحياة
أيّهذا الشّاكي وما بك داء ** كيف تغدو إذا غدوت عليلاً
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس ** تتوقّى قبل الرّحيل الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود وتعمى ** أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبءٌ على الحياة ثقيل ** من يظنّ الحياة عبئاً ثقيلا
والّذي نفسه بغير جمال ** لا يرى في الحياة شيئاً جميلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه ** لا تخف أن يزول حتّى يزولا
أيّهذا الشاكي وما بك داء ** كن جميلا ترى الوجود جميلاً.
قصيدة العيون السود
ليت الذي خلق العيون السودا .. خلق القلوب الخافقات حديدا
لولا نواعسها ولولا سحرها .. ما ودّ مالكٌ قلبه لو صيدا
عَوذْ فؤادك من نبال لحاظها .. أو متْ كما شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهم .. كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا
وإذا طلبت مع الصّبابة لذةً .. فلقد طلبت الضّائع الموجودا
يا ويح قلبي إنّه في جانبي .. وأظنّه نائي المزار بعيدا
مستوفزٌ شوقاً إلى أحبابه .. المرء يكره أن يعيش وحيدا
برأ الإله له الضّلوع وقايةً .. وأرته شقوته الضّلوع قيودا
فإذا هفا برق المنى وهفا له .. هاجت دفائنه عليه رعودا
جشَّمتُهُ صبراً فلما لم يطقْ .. جشمته التّصويب والتّصعيدا
لو أستطيع وقيته بطش الهوى .. ولو استطاع سلا الهوى محمودا
هي نظرة عَرَضت فصارت في الحشا .. ناراً وصار لها الفؤاد وقودا
والحبٌ صوتٌ، فهو أنّة نائحٍ .. طوراً وآونة يكون نشيدا