العلاقة بين الفلسفة والدين من أشد العلاقات تعقيدا، وذلك لأن الأغلبية العظمى من رجال الدين كانوا يعتقدون بتعارض الأفكار الفلسفية مع التعاليم الدينية، وقد عانى الكثير من الفلاسفة من هذه المعضلة خاصة في المسيحية والإسلام، وسوف نتناول اليوم تفصيلا أوجه التشابه بين الفلسفة والدين والأهداف المشتركة بينهما.
العلاقة بين الفلسفة والدين
اعتقد الفلاسفة المسلمين بعدم تعارض الفلسفة والدين فالحق لا يضاد إلا بالحق، وأكدوا على أن الحجج العقلية التي تنادي بها الفلسفة هي أكبر داعم للإيمان، وذلك بسبب وجود نقطة تلاقي بين الفلسفة والدين في التفكير في القضايا البعيدة مثل أصل الحياة وطبيعة الوجود وطبيعة الإنسان.
أولا: من حيث الموضوع
- الفلسفة تهتم بدراسة القضايا المعرفية المجردة للوصول إلى جوهر الإنسان والقيم الجمالية والاخلاقية والحضارية، أما الدين فهو يدور حول علاقة الإنسان بالخالق، وطرق التقرب إلى الله بالعبادات والإيمان.
- الحقائق الفلسفية نسبية يصل إليها كل فيلسوف حسب وجهة نظره في الفلسفة بشكل عام، أما الدين فهو حقيقة واحدة مطلقة غير قابلة للشك أو التعديل وهي وجود الله والدين هو تعاليم الله السماوية.
ثانيا: من حيث المنهج
- الفلسفة تعتمد على التفكير العقلي للإنسان وما يصل من حقائق عبر تأملاته الشخصية والحجج العقلية التي يصل إليها في النهاية وتجعله مؤمنا بحقيقة معينة، أما الدين فهو يعتمد على التسليم بكل التعاليم الإلهية والإيمان الكامل بها.
- الفلسفة تعتبر العقل هو الأساس وكل الأفكار قابلة للتفكير ولا يوجد مسلمات لأن كل شيء قابل للشك فيه، ولا يقتنع بشيء إلا عبر التفكير فيه عقليا والاقتناع به، أما الدين فإن الإيمان به يعني التسليم ببعض الأمور وعدم إخضاعها للعقل لأن مصدرها إلهي مثل الإيمان بالملائكة والديانات السماوية والرسل والديانات.
ثالثا: من حيث الغاية
كان علماء الدين المسلمين في مقتنعون بحرمانية الفلسفة، حتى جاء الفيلسوف الأندلسي المسلم ابن رشد الذي وضع شكل جديد للفلسفة ليلائم الدين والشريعة، وعلى الرغم من ذلك فإنه تعرض للعنف وتم تكفيره من قبل أنصار الشيخ الغزالي وأحرقت كتبه على مرأى ومسمع من الجميع ونفي للخارج.
كما ينسب للشاعر علاء المعري أبياتا من الشعر يقول فيها “أن أهل الأرض إثنان، أولهما ذو عقل بلا دين، والثاني ذو دين بلا عقل”، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا خلاف على أن الدين والفلسفة تجمعهما غاية واحدة ألا وهي إدراك الحقائق الكاملة مهما كانت الطريقة المتبعة.
التوفيق بين الفلسفة والدين
مع تقدم الزمن توصل علماء الدين والفلاسفة إلى شكل جديد من الفلسفة يتفق مع تعاليم الدين ولا يتنافى مع أفكار ومباديء الفلسفة، وبذلك فإننا يمكننا القول أن الصراع المطلق بين الدين والفلسفة قد انتهى وأصبحت العلاقة التي تجمعهما علاقة تكاملية تعتمد على حقيقتين رئيسيتين وهما:
- إن الفلسفة والدية وجهان لعملة واحدة حيث أنهما يشتركان في الهدف والغاية، وهي البحث عن الحقيقة المطلقة والاستدلال على الله أو الصانع الأول عبر دراسة الموجودات، كما تتفق الفلسفة مع الدين في بحث كلا منهما عن السعادة عبر التفكير والبحث عن الحقيقة.
- إن الأديان لا تعارض التفكير وإعمال العقل، فهي دائما ما دعت للتأمل والتفكير في الكون لإدراك عظمة الخالق وبلوغ الحقيقة وراء حياة الإنسان وحقيقته وعلاقته بالوجود، وهي نفس التساؤلات التي تبحث فيها الفلسفة بالإضافة إلى معنى الحياة والموت ومصير الإنسان بعد الموت وهي موضوعات مسلم بها في الأديان.