طالما أن مفهوم الحقوق يشير إلى الرعاية الحكومية أو القانونية، فإن ذلك لا يشتمل على الطرق الأخرى لإشباع الحاجات مثل اشكال الرعاية الخيرية أو التطوعية، أو المهنية التي تكلفها التنظيمات لأعضائها، ورغم أن ذلك المفهوم يركز على أكثر الجوانب اسمية للرعاية في المجتمع الحديث، فإنه يفشل في طرح رؤية للأنماط المختلفة من الرغاية في هذا المجتمع وعلاقتها معاً، أو تلك التي توجد في الأبنية الاجتماعية الأخرى، وبالتالي فإن فهم الرعاية الاجتماعية في إطار الحقوق الاجتماعية بعد فهما محدودا وقاصراً.
يبدو ان رؤية الرعاية الاجتماعية في إطار حقوق المواطنة ترتبط بصوره خاصة بالديموقراطيات الغربية ، فمن الصعب فهم رعاية الدولة في المجتمعات الاشتراكية في إطار فكرة المواطنة ، ذلك أن مثل هذه المجتمعات إذا كانت قطعت شوطا كبيرا في مجال الحقوق الاجتماعية، فإنها ما زالت تعارض الحقوق السياسية والمدنية بالمفهوم الغربي، إن الرعاية الاجتماعية وفقا لرؤية حقوق المواطنة تعد في الواقع الأساس المادي الملموس لمجموعة الحقوق الاجتماعية، وتظه كمجموعة من المبادئ الثابتة، التي تكمن في فكرة المواطنة الحديثة.
تقدم رؤية المواطنة مدخلا وصفيا للرعاية الاجتماعية وبصفة خاصة اشكال الرعاية بدولة الرفاهية فقد طرح مارشال “رؤية للرعاية الاجتماعية في بريطانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، باعتبارها عنصرا أساسيا الحقوق المواطنة في الدول الديمقراطية الحديثة، ولقد حظی مفهوم حقوق المواطنة بالانتشار باعتباره تفسيرا للتطورات السياسية والاجتماعية في الدول القومية الحديثة.
تقييم رؤية نظرية حقوق المواطنة للرعاية الاجتماعية
ويتضمن ذلك ثلاثة جوانب أساسية هي :
- مفهوم الرعاية .
- رؤية الرعاية .
- المضامين الخاصة بالسياسة الاجتماعية.
مفهوم الرعاية
إن ماهية الخدمات التي تدمج تحت الحقوق الاجتماعية، ومستوى الإفادة منها، تظل قضايا لا يمكن حسمها بنفس الطريقة التي تحسم بها الحقوق المدنية والسياسية (بمعيار واضح ، ومرة واحدة وللجميع )، ولذلك نجد أن طبيعة الحقوق المدنية والسياسية في الدول الغربية ليس موضوعا للنقاش والجبل ، او لاختلاف السياسات الحزبية، بينما نجد أن الحقوق الاجتماعية والسياسات الاجتماعية تعد محورا رئيسيا من محاور النقاش والاختلاف بين السياسات الحزبية الديموقراطية .
ويرجع ذلك في الأساس إلى أن الحقوق الاجتماعية ترتبط بصورة مباشرة بتوزيع الناتج الاجتماعي، في حين أن الحقوق المدنية والسياسية ليست كذلك أو على الأقل لا ترتبط بتوزيع النتائج بصورة مباشرة، وإنما تشكل الإطار التنظيمي الذي تدور فيه الصراعات حول التوزيع، وتحدد قواعد اللعبة ، في حين تمثل الحقوق الاجتماعية نتائجها أو مخرجاتها ويبدو أن فهم الحقوق الاجتماعية ومكانتها في العناصر الأساسية الحقوق المواطنية لا ياخذ كل ذلك في الاعتبار أو على الأقل يتجاهل هذه التفرقة الهامة بينها وبين الحقوق المدنية والسياسية.
تقييم رؤية تجاه حقوق المواطنة لتطور الرعاية الاجتماعية
الحقوق المدنية – حق التعاقد والملكية – كانت هي اول حقوق المواطنة في الظهور، وان ظهورها قد ارتبط بانهيار النظام الإقطاعي، وظهور الرأسمالية واقتصاديات السوق، التي تقوم المنافسة، ذلك لأن ضمان هذه الحقوق كان يكفل للإنسان حرية العمل، والانخراط كفرد في الصراع الأقتصادی، وكانت هذه الحقوق أصلا على اساس فردية في طابعها ولعل ذلك هو السبب في أنها كانت على إنجام مع الطبيعية الغربية للرأسمالية، وتوافق معها.
مضامین رؤية حقوق المواطنة للرعاية على السياسة الاجتماعية
يبدو أن الأهمية الأساسية لرؤية الرعاية الاجتماعية في إطار فكرة حقوق المواطنة تكمن في توفير الأساس المنطقي لشكل نظامی “أو مؤسسي”، وذلك في مقابل الشكل التلقائي القديم لسياسة الحرية المطلقة حيث يحتاج المجتمع الرأسمالي إلى تبرير يفسر تقديم الخدمات الاجتماعية بصفة عامة وشاملة باعتبارها حقاً للجميع.