على الرغم من أن التربية المقارنة كعلم له أصوله ومناد وأسسه ومجالاته البحثية تعتبر حديثة النشأة نسبية ولم تستقر الحرب العالمية الثانية، الا أن البدايات التربية المقارنة ترد إلى أعماق بعيدة في التاريخ فنقل ففيثاغورس لليونانيين صورة شاملة عن مدى تطور علم الحساب والرياضيات في مصر، وعلى الخصوص فيما يتعلق بالمثلثات والزوايا والأوزان وعلم المساحة، كذلك فعل هيرودوت فيما يتعلق بالتاريخ والقانون ونظام الحكم.
ويعد ابن جبير واحدا من الرحالة العرب الذين اهتموا بالجانب التربوي و التعليمي في رحلاتهم.
ويتطرق ابن بطوطه إلى الجوانب التربوية لدى أهل المشرق ومدى اهتمامهم بالعلوم والآداب وطرق التعليم وكذلك ظهرت الكتابات في فترة القرون الوسطى، مثل كتابات التاجر العربي سليمان الذي كان يكتب من كل شيء يشاهده، ومنها الظواهر التعليمية والتربوية التي كان يشاهدها خلال تنقلاته التجارية، وكذلك المكتشف الجغرافي ماركو بولو، وكذلك العالم والباحث العربی التونسي عبدالرحمن ابن خلدون.
تاريخ التربية المقارنة
مرحلة القرنين الميلاديين الثامن عشر والتاسع عشر
تتناول دور المفتشون والإداريون الذين تمسكوا بخبة النهضة الخاضعون لها، فنلاحظ في هذه المرحلة التاريخية عدة أمور، منها:
- أن التعليم – بالذات في أوروبا – ولعدة قرون طويلة كان شبه حكر على الكنائس، فكل الرهبانيات الكنيسية بصورة مجلة في مختلف البلدان الأوروبية، كانت تتبع خطة الدروس نفسها والمفاهيم التربوية ذاتها بصرف النظر عن المناطق أو البلدان المختلفة.
- حدثت أمور عديدة غيرت من وضع النظام التعليمي في أوروبا، و أثرت على النظم التعليمية في العالم، ومن هذه الأحداث ما يلي:
- الثورة الفرنسية سنة (1789م) وفيها طالب الثوريون بطرح مشروع تعليم إلزامي للجميع، ومجاني و علماني.
- ظهور النظم القومية في البلدان الأوروبية، وفيها خضعت النظم التربوية للدولة واستراتيجياتها على أنها مصلحة أمة، مع الإبقاء على التعليم الذي يشرف عليه رجال الدين. رجال الدين.
- اهتم الملوك والحاكمون بالنظم التعليمية في أوروبا من أجل السيطرة على التعليم وتنوير شعوبهم، فبنوا المدارس والجامعات وأعطوها أسماء تدل عليهم مثل: المدرسة الأمبراطورية – الأكاديمية الملكية – الثانوية الملكية – المدرسة الملكية للإنسانية – الجامعة الأمبراطورية .. الخ.
ظهرت مدارس متنوعة ذات حاجات عديدة منها:
- حاجة النظام التعليمي الرسمي إلى إدارة وتنسيق، فتأسست الإدارات المدرسية التي سبقت تأسيس وزارات التربية.
- أرادت كل دولة أن تستفيد من التجارب التعليمية التي نفذت في غيرها من الدول من أجل تحسين نظامها التعليمي.
مرحلة القرن التاسع عشر
نلاحظ عدة أمور منها:
- اهتمام الباحثين والمحققين بالدراسات التربوية في الخارج.
- اقتناع الباحثين بعدم جدوى نقل النماذج التربوية الموجودة في المجتمعات والدول الأخرى، إلا إذا توفرت شروط عديدة.
- الدراسات التربوية كانت تركز تقريبا على التعليم الابتدائي والدراسة الإلزامية.
- اهتم الدارسون في نهاية القرن التاسع عشر بالمستوى الثانوي والجامعي.
- أظهر الباحثون في دراساتهم أسباب نجاح أو فشل النظم التربوية في البلدان الأخرى، مما يساعد المسئولين في أن يتجنبوا مواطن الفشل ويبحثوا عن سبيل النجاح.
مرحلة القرن العشرين
وفي النصف الأول من القرن العشرين ظلت معظم الدراسات التربوية المقارنة تسير على غرار ما رسمه سادلر، مما يدل على تأثيره العميق في دارسي التربية المقارنة طوال تلك المدة.
وقد ظهرت هذه النظريات الكلاسيكية، نتيجة انعقاد مؤتمر في بريطانيا سنة (1900م)، وهذا المؤتمر قام على تنظيمه مايكل سادلر، وأكد هذا المؤتمر على بعض المفاهيم والمصطلحات النظرية الكلاسيكية في مجال التربية لأول مرة، ومنها:
- أن كل نظام تربوي وطني مؤلف من عدة عناصر.
- إن النظم التربوية تدرس من خلال علاقتها بالسياق الاجتماعي.
- الأشياء التي تجري خارج المدرسة هي أكثر أهمية من تلك التي تجري داخلها، وذلك لأن ما يحدث خارج المدرسة يفسر ويوضح ما جرى بداخلها.
- المدارس تشكل جزءا مكملا للمجتمع الذي تحمل داخله.