الأمثال الشعبية المصرية القديمة لم تكن وليدة اللحظة والصدفة، حيث أن المثل لم يكن لينتشر لو لم تكن وراءه قصة جعلت شهرته تخلده على الدوام، ونستعرض في السطور التالية أمثال شعبية مصرية قديمة.
أمثال شعبية مصرية قديمة
إحنا دافنينه سوا وتحت القبة شيخ
مثلان مصريان يعبران عن شيئين مختلفين، ولهما قصة واحدة، حيث يحكى أن محتالين من كبار النصابين واللصوص، أحدهما يدعى نائل اللئيم، والثانى عطية أبو المفاهيم، أثارت أفعالهما وجرائمهما، وخصالهما اللئيمة الكريهة غضب الكثير من الناس، ولما انتشر أمرهما واشتهر، قررا الرحيل من البلدة، فسرقا حماراً وبعض الذهب، ولاذا بالفرار من المدينة، وحملهما حمارهما إلى قرية بعيدة، تسمى قرية البرسيم، التي يعرف أهلها بالطيبة الشديدة والتدين، وعلى أبواب القرية مات الحمار الذي تعب من السير كثيرا دون طعام أو شراب، ليحزن السارقان على موته حزنا شديدا، وفكرا في تركه واستكمال السير على أقدامهما، ولكن نائل اللئيم ورد بخاطره فكرة، حيث اقترح على صاحبه عطية دفن الحمار مكان موته بعد أن حملهما لأميال عديدة، فقال عطية: “ولماذا نكلف أنفسنا التعب في دفنه؟” ليقنعه نائل بدفن الحمار الذي سيستغلانه في الحصول على أموال كثيرة.
نائل وعطية يدفنان الحمار
بدأ الصديقان حفر القبر في الأرض، ودفنا الحمار عميقًا، وأنشئا على القبر سورا من الطين، وبعد أن انتهيا من عملية الدفن، سمعا أصواتًا قادمة نحوهما، فبدءا في البكاء والهتاف “لا إله إلا الله، أبو الصبر حبيب الله”، ليسألهما الناس “ما هذا، ومن أنتما؟ وماذا تفعلان؟” ليجيب نائل اللئيم وهو يبكى، «نحن من أتباع الشيخ أبوالصبر، أحد أولياء الله الصالحين، وكانت له كرامات كثيرة، يشفي المريض، ويزوج العانس، ووافته المنية هذا الصباح، وأوصانا أن ندفنه في هذه البلدة، وأخبرنا أنها قرية الخير والمدد، وسكانها من أهل الجنة”.
قبر الحمار يتحول إلى مقام
صدق أهل القرية الطيبة قصة المحتالين، ووعدوا بمعاونتهما في بناء مقام يليق بالشيخ أبوالصبر، ليقوما ببناء المقام بالفعل، ثم اتسع بعد ذلك وأصبح مسجدا والمقام في منتصفه، وحوله سور كبير من الحديد، وعندما كان يأتي أهل القرى المجاورة لزيارة تلك القرية ويسألونهم عن المقام وسر بناء تلك القبة العالية، فكان أهل القرية يجيبونهم بعبارة “تحت القبة شيخ” فأصبحت مثلا رائجًا، وصارت العطايا الكثيرة والهبات والنذور تأتي للصين بكثرة، وبين عشية وضحاها أصبح أهل القرية جميعا يتبركون بالقبر، وزاد مال الصديقين وثروتهما الطائلة، وسيطرا بشكل كبير على شئون القرية، وعلى عمدتها والأثرياء والخفراء والأغنياء والفقراء.
الفتنة تدب بين الصديقين
وفى أحد الأيام قال نائل اللئيم لصاحبه عطية أبوالمفاهيم “سأتركك بضعة أسابيع، وأسافر إلى أهلنا، لأعطيهم بعضًا من المال، وأودع لديهم عقود الأراضى التى اشتريناها من القرى المجاورة”، ليذهب ويغيب فترة أكثر من شهر، ثم عاد وآثار النعمة ظاهرة على وجهه المتورد ووزنه الزائد، ليسأل صديقه: “كم من الأموال جنيناها خلال غيابي؟” ليجيبه عطية أبوالمفاهيم أنهم لم يجنوا أي أموال في تلك الفترة، ليتعجب نائل ويهم أن يبطش به، ليقول عطية “أقسم بحياة سيدي الشيخ أبوالصبر”، ليرد عليه نائل اللئيم، وقد نفد صبره: “سيدى أبوالصبر إيه؟ ده إحنا دافنينه سوا”، في إشارة للحمار المدفون تحت المقام، فأصبحت الجملة بعد ذلك مثلًا للدلالة على فهم شخص لخدعة آخر.