تحدثنا في سلسلة من المقالات السابقة عن الكاتب والأديب العربي الجاحظ، وعرفناه على أنه واحد من أبرز وأهم أدباء العصر العباسي الذين لمعوا وبرزت موهبتهم في عهد الخليفة المهدي في العصر العباسي، وأنه عاصر كذلك قرابة اثنتي عشر خليفة عباسي تولوا حكم الدولة الإسلامية آنذاك. وتطرقنا خلال تلك السلسلة من المقالات إلى مولده ومنهجه العلمي وعدد من أبرز المؤلفات والكتب التي أثرى بها تاريخ الأدب العربي على مر العصور منذ العصر الجاهلي وإلى وقتنا هذا. ولكن خلال السطور القادمة من هذا التقرير سوف نتحدث بشيء من التفصيل عن نشأة الجاحظ وحياته وكذلك سوف نتطرق إلى أهم العوامل التي أثرت بشكل واضح وكبير على فكر وثقافة الأديب العربي الجاحظ:
نشأة الجاحظ
كانت طفولة الأديب العربي الشهير الجاحظ تتسم بالصعوبة، حيث كان يعيش في مدينة البصرة في العراق فقريًا بشكل كبير وكانت حاله غير ميسورة، وكان لذلك دور كبير في التأثير على طفولته، حيث أُضطر الجاحظ بعد أن بدأ التعلم في سن صغيرة ألا يكمل تعليمه بسبب الفقر فقد حاجة إلى العمل في هذا السن حتى يتمكن من جني المال اللازم للعيش، ما دفعه للبحث عن عمل وبالفعل عمل في بيع السمك والخبز، إلا أن ذلك لم يثنيه عن حبه الشديد للتعلم والقراءة، فقد يعمل في ساعات النهار بينما يتجه إلى دكاكين الوراقين في ساعات الليل حتى يمكنه قراءة وتعلم ما تيسر له خلال هذه الساعات.
تتلمذ الأديب العباسي الجاحظ خلال طفولته الأولى على يد عدد من أئمة وشيوخ البصرة في علوم اللغة والأدب والنحو، حيث التهم منهم قراءة القرآن الكريم، وكذلك قواعد ومبادئ اللغة العربية، ومن بينهم هؤلاء الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم آنذاك أبي عبيدة، مؤلف كتاب نقائض جرير والفرزدق، الذي كان له عظيم الأثر في تعلم الجاحظ اللغة العربية وآدابها، ودرس الجاحظ كذلك وفهم علم النحو على يد الأخفش، وتتلمذ كذلك على يد الأصمعي، إبراهيم بن سيار البص، الذي كان له الفضل في تعلم الجاحظ علم الكلام.
ومن المعروف على الأديب العربي الجاحظ أنه لم يكتف بتعلم اللغة العربية وإتقانها بل امتدت معرفة الجاحظ إلى تعلم وإتقان اللغة الفارسية واليونانية والهندية، والتي يتقنها عن طريق الإطلاع على الأعمال المترجمة إلى اللغة العربية.
ثقافته
حينما نتحدث عن ثقافة وفكر الأديب العربي العلامة الجاحظ، فلابد أولًا أن نشير إلى أن الجاحظ قد عُرف عنه منذ الصغر شغفه الشديد وولعه بالقراءة والمطالعة، الصفة التي كانت لها نصيب الأسد في التأثير الإيجابي على فكر وثقافة الجاحظ.
ويقال أن حبه الشديد للقراءة وسهره الليالي الطوال في المطالعة كان سبب خوف والدته عليه وإزعجها ذلك الشغف الشديد لدى الجاحظ للقراءة والمطالعة، حيث كان يتوجه منذ صغره إلى دكاكين الوراقين وقد يضطر للمبيت بها حتى يتثنى له إنهاء مطالعته لكتاب ما.
طرق الجاحظ كل أبواب العلم الثقافة عن طريق القراءة والمطالعة الشرهه التي لا تتوقف، وكذلك عن طريق حضور كافة حلقات العلم في المساجد التي كان يقوم عليها كبار العلماء في بلدته حين الوقت فأتقن الجاحظ اللغة العربية وعلم النحو وعلم الكلام وغيره من العلوم التي تعلمها على يد كبار وواضعي تلك العلوم آنذاك.