سنتحدث اليوم عن شرح القصيدة الدمشقية للشاعر السوري المعروف نزار قباني. وهذه القصيدة تعتبر واحدة من القصائد التي تألق فيها نزار قباني. ونالت القصيدة الدمشقية شهرة واسعة في العالم العربي. وقبل الخوض في شرح القصيدة الدمشقية، سنتحدث قليلا عن الشاعر المعروف نزار قباني.
الشاعر نزار قباني
نزار قباني هو من أشهر شعراء الأدب العربي الحديث، ويستحق ان نتعرف عليه قليلا قبل شرح القصيدة الدمشقية.
وُلد الشاعر نزار قباني في دمشق عاصمة سوريا، عام ألف وتسعمائة وثلاث وعشرين ميلاديا (1923 م). التحق نزار قباني بالمراحل التعليمية المختلفة التي انتهت بتخرجه من الجامعة.
وكانت المحطة الأخيرة لرحلة نزار قباني التعليمية في كلية الحقوق بجامعة دمشق، حيث تخرج منها نزار قباني.
وما أن أنهى نزار تعليمه الجامعي، حتى عمل بالسلك الدبلوماسي في دولة سوريا. واستمر نزار قباني في ذلك العمل طوال الفترة من عام ألف وتسعمائة وخمس وأربعين ميلاديا (1945 م) وحتى ألف وتسعمائة وست وستين ميلاديا (1966 م).
شهرة نزار قباني لم تأت من عمله في السلك الدبلوماسي، بل جاءت من بوابة الشعر والأدب. استطاع نزار أن يثبت نفسه كشاعر متميز يشار له بالبنان. وحقق نزار قباني من خلال الشعر شهرة طاغية في العالم العربي بل وحتى على مستوى العالم أيضا.
شرح القصيدة الدمشقية
تعد القصيدة الدمشقية من أشهر ما كتب الشاعر السوري الراحل نزار قباني. وقد حققت القصيدة شهرة كبيرة جدا في العالم العربي عامة. وفيما يلي سنقدم شرح القصيدة الدمشقية ونتمنى أن ينال إعجابكم.
هذي دمشق وهذي الكأس و الراحُ إنِّي أحبُ وبعض الحبَّ ذباحُ
أنا الدِّمشقي لو شرحتمُ جسدي لسالَ منه عناقيدٌ وتفاحُ
ولو فتحتم شراييني بمُديتكم سَمِعْتمُ في دمِي أصواتَ من راحوا
زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا وما لقلبي -إذا أحببتُ- جرَّاحُ
يقول الشاعر في مطلع القصيدة إن هذه دمشق الساحرة التي أسرت قلبه. وجعلته مثل السكير، بسبب خمرة الحب في قلبه لها. وقد أوصلته خمرة الحب هذه إلى حالة من النشوة الكبرى.
ويضيف الشاعر أنه من فرط غرامه بدمشق فإنه لو تم تقطيع جسمه، فإن الذي سيسل من جسمه ليس الدم. بل عناقيد العنب والتفاح. كما أن شرايينه أيضا لو تم فتحها، فإن ما سيسمع في هذه الشرايين أصوات كل من رحلوا ولم يعودوا.
ويؤكد الشاعر الكبير أنه ربما مرضى القلوب يمكن علاجهم ويتماثلوا للشفاء. لكن قلبه لو أراد علاجه، فلن يجد الجراح القادر على ذلك.
مآذنُ الشامِ تبكي إذْ تعانقُني وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقوقٌ في منازلنا وقطَّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتِنا فكيف أنسى وعطرُ الهَيْلِ فوّاحُ؟
هذا مكانُ “أبي المعتَزِّ” منتظرٌ ووجهُ “فائزةٍ” حلوٌ ولمَّاحُ
يواصل نزار قباني الحديث عن شوقه إلى دمشق وشوق دمشق له. ويقول إن مآذن الشام تنهار باكية إذا رأته. مشيرا إلى أن المآذن مثل الأشجار، لها أرواح تعشق وتهيم وتبكي.
ويواصل نزار الحديث عن قيم لا يعلمها إلا اهل دمشق. لدرجة ان الياسمين المزروع في المنازل له حقوق على أصحاب هذه المنازل. كما أن القطة التي تترعرع في المنزل تنام أينما ترتاح.
ويعرج نزار على ذكريات الطفولة التي يرتبط بها مع دمشق. ومن هذه الذكريات مطحنة القهوة. وكيف له أن ينسى هذه الذكريات ولا تزال رائحة الهيل في أنفه.
ويتذكر نزار أيضا حيث كان والده “أبو المعتز” يجلس وينتظر مجيئه. كما يتذكر أيضا وجه والدته فائزة بحلاوته وجماله وفراسته.
هُنا جذوري، هُنا قلبي، هُنا لغتي فكيف أوضحُ؟ هلْ في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقية باعتْ أساورَها حتَّى أغازلَها والشعرُ مفتاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ مُعتذرًا فهل تُسامِحُ هيفاء ووضاحُ؟
خمسون عامًا وأجزائِي مبعثرةٌ فوق المحيطِ وما في الأفق مصباحُ
ويتابع الشعر التأكيد على أن دمشق تمثل له كل شيء، جذوره وأصله، وقلبه وحبه ولغته.
ثم يتساءل نزار كيف له أن يبين كل هذا بشكل أكبر؟
وهل يحتاج من يعشق بهذا الشكل إلى مزيد من التوضيح والتفسير؟
ويستفسر عن عدد الفتيات الدمشقيات اللائي قمن ببيع ما تملكه من أساور.
من أجل أن يتغزل فيهن بقصيدة شعرية. خاصة أن الشعر هو مفتاح القلوب.
بعد ذلك يدخل الشاعر في نوبة اعتذار وأسف لبلاده.
ويعتذر حتى لشجر الصفصاف الذي يقصد به كل الحبيبات اللاتي تركهن منذ زمن.
ويسألهن هل له من توبة وهل لهم من مسامحة؟
ويتوسل ان ترحمه خاصة أنه تناثر قطعا منذ 50 عاما ويعاني التشتت، في حين لا يلوح في الأفق أي أمل.
تقاذفتني بحارٌ لا ضفافَ لها وطاردتنِي شياطينٌ وأشباحُ
أقاتلُ القُبحَ فِي شِعْرِي وفِي أَدَبَي حتَّى يفتِّحَ نوَّارٌ وقداحُ
ما للعروبةِ تبْكِي مثلَ أرملةٍ أليسَ في كُتُبِ التَّاريخِ أفراحُ؟
والشِّعرُ ماذا سيبْقَى منْ أصالتِهِ؟ إذا تولَّاه نصَّاب ومداحُ؟
يقول الشاعر إن أمواج الغربة قذفته في غربة لا عودة منها، وحاصرته أشباح ورقباء.
وقد اتخذ الشاعر من شعره سلاحا يحارب به الشر والقبح، حتى ينقشع القبح وظلمته. ويبدي الشاعر حزنه على ما وصلت إليه البلدان العربية التي تبكي مثل المرأة الأرملة، وكان تاريخها يخلو من الفرح. ويتساءل بعد ذلك: إذا لم يهتم الشعراء بمحاربة القبح، فمن يهتم؟ وإذا أصبح الشعراء منافقين للحكام، فمن سيحارب الشر والقبح؟