أبو فراس الحمداني يُعتبر واحد من أهم وأبرز شعراء العصر العباسي، فقد كان بمثابة واحد من أئمة الشعر العربي خلال تلك الحقبة الزمنية من حكم الدولة العباسية التي تولت الخلافة الإسلامية عقب انهيار الدولة الأموية وزوال حكم بني أمية. أثرى الشاعر العربي أبو فراس الحمداني الشعر والأدب العربي بشكل جعل منه واحًدًا من أبرز الأسماء التي تتردد في سماء الشعر العربي على مر تاريخه إلى هذا اليوم. وقد ترك أبو فراس الحمداني خلفه ميراث شعري وأدبي كان ولازال مرجع لكافة الشعراء العرب على مر عصور الشعر العربي. وخلال هذا التقرير سوف نتناول شرح قصيدة أراك عصي الدمع وهي واحدة من أبرز وأشهر وأروع قصائد الشاعر العباسي أبو فراس الحمداني:
قصيدة أراك عصي الدمع
لتلك القصيدة قصة شهيرة خلال حكم العباسيين للدولة الإسلامية، حيث وقع الأمير أبو فراس الحمداني في الأسر من قبل الروم في ذلك الوقت، وقد تخاذل وقتها ابن عمه الأمير سيف الدولة الحمداني الذي كان يتولى وقتها حكم الدولة الحمدانية عن فك أسر أبي فراس الحمداني، فكتب الشاعر تلك القصيدة كي يستجدي ابن عمه ويحثه على الإسراع لنجدته وفك أسره.
شرح قصيدة أراك عصي الدمع
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعةٌ ولكنّ مثلي لا يُذاع له سِر!
إذا الّليل أضواني بسطتُ يد الهوى وأذللتُ دمعًا من خلائقه الكِبر
كما نلاحظ في هذه الأبيات فإن الشاعر العباسي أبي فراس الحمداني يخاطب نفسه من شدة ألمه وحسرته في الأسر، ويسألها متعجبًا، من أين جأتي بكل هذا الجبروت والقدرة على تحمل الفراق والصبر على الابتعاد عن من أحببتي، لكنه يرد على نفسه في نفس اللحظة ليؤكد على أن الشوق قد غلبه ولكنه يأبى أن يفصح عما بداخله حتى يظل محافظُا على كبره، ولكنه يعود وينهزم من جديد أمام حلول الليل الذي يأتي ومعه كل الذكريات.
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذكَتها الصّبابَة والفكرُ
مُعلّلتي بالوَصلِ ، والموتُ دونهُ إذا مِتّ ظَمآنًا فَلا نَزل القَطرُ!
حفظتُ وَضَيّعتِ الموَدةَ بيننا وأحسَنُ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَك العُذر
في هذه الأبيات يدخل الشاعر أبو فراس الحمداني في صراع مع نفسه، صراع ما بين شوقه الشديد للديار وكذلك الشوق لرؤية المحبوبة كذلك ومابين كبريائه الشديد الذي يمنعه من أن يفصح عما بداخله حتى يظل معتز بنفسه شامخ الرأس، ولكنه يؤكد عن أن الشوق داخله أصبح نارًا عظيمة يصعب إخمادها على الإطلاق.
بَدوتُ وأهلي حَاضرونَ لأنّنَي أرى دارًا لست من أهلها قفر
وحاربتُ قَومي في هَواكِ وإنهم وإيّايَّ لولا حُبكِ الماءُ والخَمر
فإن كَانَ ما قال الوُشاةُ ولَم يَكُن فَقد يَهدِمُ الإيمانُ ما شيَّد الكُفرُ
وَفيتُ وفي بعضِ الوَفاءِ مذلّةُ لآنسةٍ في الحيّ شِيمتُها الغَدرُ
وخلال هذه الأبيات يخاطب الشاعر المحبوبة، ويقول لها انه حارب الجميع من أجلها وأنه قد أتي إليها بعيدًا عن الأهل الذين يسكنون الحضر، ويشير في خطابه لها إلى كلام الوشاة الذين يؤكدون له على أنه أحب إمرأة لا تعرف معنى الوفاء، إلا أنه يشكك في ذلك الكلام ويؤكد لها أن الحب الصافي أقوى من أي شيء أخر.
تُسائِلني مَن أنتَ وهي عَليمةٌ وهل بِفتىً مثليَ عَلى حاله نُكر
فقلتُ كَما شَاءت وشاءَ لها الهَوى قَتيلُكِ قالت أيُهم فَهم كُثرُ
فقالت لقد أزرَى بكَ الدَهرُ بَعدنا فَقلتُ مَعاذَ الله بل أنتِ لا الدَّهر
في هذه الأبيات يصف مراوغة المحبوبة له، حيث تسأله من أنت وكأنها لاتعرفه، فيرد عليها الشاعر بأنه قتيل حبها، إلا أنها تستمر في المداهنة والتلاعب بمشاعره أشواقه وتسأله أي قتيل لها يكون فهي لها العديد من الذين ماتوا شوقًا لها وحبًا لها.