حب الله سبحانه وتعالى في نفس المؤمن مكانة كبيرة وأهمية عزيمة، فمحبة الله تعد علامة للارتقاء لأعلى درجات الإيمان، وورد عن النبي صلي الله عليه وسلم، قوله: “ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ”.
وتؤدي محبة الله سبحانه وتعالى لشعور المؤمن بحلاوة في نفسه، واطمئنانًا شديد في قلبه، كما ينشرح صدره، والمحبة الحقيقية تحتاج إلى براهين ودلائل تثبت الحب للمحبوب، وقد قال الإمام الشافعي:
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هذا محالٌ في القياس بديعُ لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ.
معنى الحُب
الحُبُّ والحِبُّ في اللغة بمعنى الوداد، وَالحِبابُ كالحُبّ، وأحَبَّه فَهُوَ محبوبٌ، على غير قِيَاس على الْأَكْثَر، وَقد قيل مُحَبُّ على الْقيَاس. قال سِيبَوَيْهٍ: حَبَبْتهُ وأحْبَبْتُه بِمَعْنى، وَقال اللحيانيّ عَن بني سليم مَا أحَبْتُ ذَاك: أَي مَا أحببتُ، والحِبُّ: المحبوب، وَكَانَ زيد بن حَارِثَة يُدْعَى حِبّ رَسُول الله صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وجمعُ الحِبّ أحبابٌ وحِبَّانٌ وحُبُوبٌ وحِبَبَةٌ وحُبٌّ، والحَبيبُ والحُبابُ: الحِبُّ، وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ.
الحب اصطلاحًا: يعني أنه ضد الكراهية ويعني أيضًا ميل النفس مع العقل، فإذا تجاوز العقل فهو العشق.
أنواع الحبّ
يوجد أنواع عديدة للحب وفقًا للمحب والمحبوب وسبب المحبة، ومن هذه الأنواع:
- حب رسول الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: فقد فرض الله على كل مسلم ومسلمة حب الله ورسوله، وجعل هذه المحبة شرط من شروط الإيمان، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين”، وهذه المحبة تستلزم من العبد أن يطيع المحبوب، أي يطيع الله ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل ما يطلبه منه والبعد عن كل ما ينهي عنه، فليس من المعقول أن يدعي شخص أنه يحب أحدًا ولا يطعه فيما يريد وأمره وطلبه ولم يعتبر ذلك حبًا.
- حبّ المُؤمنين والعلماء والصّالحين: وهذا يعد من افضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة من كُنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما، وأن يُحبّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النّار”.
- مَحبّة الزّوجة والأولاد: فالشخص بالفطرة يميل لزوجته ويسكن ليها ويزيد في حبه وميله لها إن كانت جميلة أو ذات دين وخلق، وإن كان لديها من الصفات ما يجعل قلبه يميل إليها.
- محبة الوالدين وباقي الأقارب: كذلك محبة الوالدين أمر فطري، فكل إنسان مَفطور على حبّ والديه فهما كانا السّبب في وجوده، وهما سهرا وتعبا للعمل على راحته، ومُراعاة مصلحته.
كيفيّة حب الله بصدق
- تعد محبة الله سبحانه وتعالى من العقائد الثابتة كما أنها في نفس العبد المؤمن إيمان راسخ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ”، فحب الله سبحانه وتعالى من الإيمان وحب الله لا يجب أن يدانيه حب، بل يجب أن يكون خالصًا له وحده، ولكي يستطيع العبد أن يجعل حب الله خالصًا وصادقًا في قلبه يجب عليه أن..
- لا يشرك بعباده ربه أحدًا سواه، ولا يعبد مع الله أحد، ولا يصرفه شيء عن العبادة لغير الله، فيتجه المؤمن بالمحبة لله وحده ولايشرك في محبته احدًا، كما ذكر الرسول عليه افضل الصلاة والسلام في حديثه النبوي الشريف: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يَكره أن يلقى في النار”.
- حب الله سبحانه وتعالى لا يكون إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة معانيها وتدبرها.
- أن يلجأ لله سبحانه وتعالي في الضراعة والدعاء ويتذلل لله عز وجل، ويطلب تفريج همه وكربه في أمور الدنيا والآخرة، فحب الله يعني الاستشعار بعظمته واللجوء إليه وقت الحاجة، فالله يحب من عباده الإكثار من الإلحاح والدعاء، وعادة ما يبتلي الله سبحانه وتعالى عباده لكي يختبرهم، والمؤمن الذي يجتاز بنجاح الاختبار يعد هو المؤمن الصابر الذي لجأ إلى الله في وقت محنته، لأن الله هو سيد الفرج وسيد الشدائد وبيده الأمر كله وإليه يرجع الامر كله، وهو من خلق كل شيء وهو من سينهي كل شيء.
- أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك عن طريق اتباع سنته، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.
- الانشغال بعبادة الله عز وجل والتقرب إليه بما يُرضيه، والإكثار من ذكره، والخوف منه، وطاعته في السر والعلانية أمام الناس وأثناء خلوته مع نفسه؛ خاصة وأن بعض الأشخاص يخافون الله أمام الناس، ولكن مع أنفسهم يرتكبون العديد من الأخطاء والآثام.
- أن يُخفض جناحه للمؤمنين فيكون رحيماً بهم، عطوفا عليهم، شديداً على الكافرين.